المقصود بالتنفيذ العيني.
أولاً:
المقصود بالتنفيذ العيني[1].
يقصد بالتنفيذ
العيني للالتزام أداء المدين عين ما التزم به مختاراً، فهو عبارة عن وفاء المدين
بالتزامه وتنفيذه اختياراً (160، 180، 181 ق.م)، طبقاً لما اشتمل عليه العقد
وبطريقة تتفق مع مبدأ حسن النية في التنفيذ وقصد المتعاقدين، ووفقاً لقواعد
الأمانة والنزاهة والثقة المتبادلة، التي يوجبها شرف التعامل في نطاق المعاملات (
م 106، 107 ق.م).
فالمدين ملزم
بأداء ما تعهد به، أي ذات الأداء الذي التزم به تنفيذاً عينياً، متى كان ذلك
ممكناً، غير أنه لا يجبر على التنفيذ إذا كان الالتزام طبيعياً (160/02 ق.م)،
وتنفيذ الالتزام يشمل أيضاً مستلزمات العقد وملحقاته وفقاً للقانون والعرف وطبيعة
الالتزام.
ويجب تنفيذ كل
تعهد بأمانة ونزاهة ولا يلزم المتعاقد بما وقع التصريح به بحسب بل أيضاً بكل
ملحقات الالتزام التي يقررها القانون والعرف والانصاف وفق ما تقتضيه طبيعته.
وكيفية
التنفيذ تختلف بحسب طبيعة الالتزام وتنوع مصادره، فقد يكون الأداء الذي يلتزم به
نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو بذل عناية، وفق ما يلي:
أ-إذا
كان المدين قد التزم بإعطاء شيء، أي بنقل الملكية أو أي حق عيني وارد على شيء معين فإنه يكون تنفيذ هذا
النوع بتسليم هذا الشيء مع ملحقاته بحسب ما كان منقول أو عقار والمحافظة عليه حتى
يتم التسليم القانوني بالكيفية المطلوبة والضمانات الواجبة وكيفية الاستعمال، وفق
الغرض الذي رمى إليه المتعاقدان ( 165، 167 ق.م).
وإذا كان محل
الالتزام من الأشياء المثلية فلا تبرأ ذمة المدين إلا بتسليم ما ورد في الالتزام
قدراً وصنفاً، وبالطريقة المحددة في العقد، ولا يحق له أن يجبر الدائن على قبول
شيء آخر غير المستحق له، فلا يكون المدين ملتزم إلا بنفس المقدار والصنف والنوع
المبينة في العقد، كيف ما كانت الزيادة أو النقص في القيمة، فإذا أصبحت الأشياء
المثلية محل الإلتزام غير موجودة عند حلول أجل الوفاء كان للدائن الخيار بين أن
ينتظر حتى توجد وبين أن يفسخ العقد ويسترد ما دفعه بسبب العقد.
فإذا ورد
الالتزام على نقل شيء لم يعين إلا بنوعه ومقداره فلا ينتقل الحق في التنفيذ العيني
إلا من وقت تمام إفراز هذا الشيء، وهو ما نصت عليه المادة 166 ق.م: "إذا ورد
الالتزام بنقل حق عيني على شيء لم يعين إلا بنوعه فلا ينتقل الحق إلا بإفراز هذا
الشيء"، فبالإفراز يصبح الشيء المثلي معين بالذات، ومن ثمّ تنتقل ملكيته
بالعقد دون حاجة للتسليم، فإذا امتنع المدين عن الإفراز لتعيين حق الدائن جاز
للدائن مطالبته بقيمة الشيء وبالتعويض عن الضرر الذي أصابه طبق قواعد المسؤولية
العقدية، أما إذا كان محل الالتزام مبلغ من النقود، فوفاء المدين يكون بسداد مبلغ
النقود المستحقة في موعده، نوعاً وقدراً، بالعملة المتفق عليها، سواء زادت قيمتها
وقت الوفاء أو انخفضت.
*إذا كان محل
الالتزام شيء معين بالذات أي القيميات فإن الملكية تنتقل بمجرد تمام العقد، أي
بمجرد التعاقد، ويكون المدين مسؤولاً عن العيوب التي تحصل منذ هذا التاريخ، دون
الإخلال بقواعد التسجيل والشهر العقاري.
وتنص المادة
165 ق.م أنه: " في الالتزامات بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر، ينتقل الحق
العيني بحكم القانون، إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات يملكه الملتزم، مع
مراعاة الأحكام المتعلقة بالشهر العقاري"، كما في المواد: 234 مكرر1 و 793
ق.م ونصها: " لا تنتقل الملكية والحقوق العينية الأخرى في العقار سواء كان
ذلك بين المتعاقدين أم في حق الغير، إلا إذا روعيت الإجراءات التي ينص عليها
القانون، بالأخص القوانين المتعلقة بالشهر العقاري.
فإذا امتنع
المدين عن القيام بتنفيذ التزامه (أي نقل حق عيني) جاز للدائن أن يحصل على شيء من
النوع ذاته بعد استئذان القاضي، كما له أن يطالب بقيمة الشيء من غير إخلال في
الحالتين بحقه في التعويض ( م 166/02 و176 ق.م).
وإذا كان محل
الإلتزام القيام بالتسليم فإن هلاك الشيء أو تلفه على البائع قبل التسليم إلا إذا
حدث الهلاك بعد إعذار المشتري بالتسليم فتكون تبعة الهلاك أو تلفه على المشتري، م
270 ق.م : " إذا تم إعذار الدائن تحمل تبعة هلاك الشيء أو تلفه...".
أما إذا هلك
الشيء المبيع قبل التسليم لسبب لا يد للبائع فيه، انفسخ البيع واسترد المشتري
الثمن إلا إذا كان الهلاك بعد إعذار المشتري بالتسلم، وعلى كل حال فللمشتري بعد
إعذار البائع إجباره على تنفيذ التزامه عيناً (164، 179، 180، 181 ق.م)، كما يجوز
له أن يقتصر على طلب الفسخ ( 119 ق.م)، ويحق له في الحالتين طلب التعويض عما أصابه
من ضرر جراء إخلال البائع بالتسليم (166، 176 ق.م).
ب-أما
في الالتزام بعمل أو سلسلة من الأعمال، فإنه يتم التنفيذ العيني إذا قام المدين بهذا العمل،
سواء من حيث الهدف أو من حيث وجوب قيام المدين شخصياً بإنجازه.
فإذا كانت
شخصية المدين لها أهمية خاصة في الالتزام بعمل كاشتراط الدائن على المدين أن يقوم
شخصيا بالعمل ( 169 ق.م)، فإن تنفيذ المدين لالتزامه الخاص يقتضي أداء العمل من
طرف المدين نفسه، ويمتنع عليه أن يعرض تنفيذ التزامه بواسطة شخص آخر.
ويمكن للدائن
أن يطلب من القضاء الترخيص له في التنفيذ على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ
ممكناً (170 ق.م)، إذا كان موضوع الالتزام عملاً وسمحت بذلك طبيعته ( 171 ق.م).
المادة 170
ق.م: " في الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه جاز للدائن أن
يطلب ترخيصاً من القضاء في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ
ممكناً"، فإذا أصر المدين على عدم التنفيذ جاز للدائن حق المطالبة بالتنفيذ
بمقابل أي عن طريق التعويض (176 ق.م).
ج-إذا
كان محل الالتزام امتناعاً عن عمل، يكون التنفيذ العيني عن طريق الامتناع عن هذا العمل المحدد الذي تعهد بعدم أدائه، أي
بالامتناع عن القيام به، وهذا بناء على طلب الدائن وتحت طائلة إجباره بالإجراءات
الجبرية النظامية على الوفاء بذلك جبراً عنه إذا لم يف بذلك اختياراً، فإذا أتى
المدين العمل الممنوع يعتبر مخلاً بهذا الالتزام ويجوز للدائن المطالبة بإزالة ما
وقع من مخالفة وله طلب ترخيص من المحكمة أن يقوم بإزالتها على نفقته، م 173 ق.م :
" إذا التزم المدين بالامتناع عن عمل وأخل بهذا الالتزام جاز للدائن أن يطالب
إزالة ما وقع مخالف للالتزام، ويمكنه أن يحصل من القضاء على ترخيص للقيام بهذه
الإزالة على نفقة المدين".
والحقيقة أن
إتيان المدين لهذا العمل الممنوع، يعد من جانبه إخلال نهائي بالتزامه بالامتناع
عنه، مما يصبح معه التنفيذ العيني لهذا الالتزام مستحيل بحيث لا يبقى في هذا الشأن
إلا إزالة هذه المخالفة بتعويض عيني عادل، يتمثل في مبلغ من النقود يحصل عليه
الدائن.
د-أما
إذا كان الالتزام ببذل عناية،
خاصة في الالتزامات التي يكون محلها القيام بعمل، يعتبر المدين قد وفى بالتزامه
إذا بذل في تنفيذه جهد معين من العناية أي ما يبذله الشخص المعتاد وإن لم تتحقق
النتيجة المرجوة منه، وفي كل الحالات يبقى المدين مسؤولاً عما يأتيه من غش أو خطأ
جسيم ( 172 ق.م).
المادة 172
ق.م : " في الالتزامات بعمل إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على الشيء أو
أن يقوم بإرادته، أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه، فإن المدين يكون قد وفى
بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق
الغرض المقصود ما لم ينص القانون أو الاتفاق على خلاف ذلك، وفي كل حال يبقى المدين
مسؤولاً عن غشه أو خطئه الجسيم".
والالتزام
بإعطاء شيء أو الامتناع عن عمل هي جميعاً التزامات بتحقيق نتيجة فيعتبر المدين
مخلاً إذا لم يقم بنقل الحق العيني أو قام بالعمل الذي يجب عليه الامتناع عليه.
المبحث الأول:
التنفيذ العيني الاختياري L’exécution volontaire
وهو التنفيذ
الصادر من المدين للوفاء بالدين، وهو الأصل يتم برضا المدين واختياره بأداء عين ما
التزم به، طالما كان ذلك ممكناً لا يترتب عليه إصابته بضرر جسيم (160، 164 ق.م)،
ولكل من الدائن والمدين أن يتمسك بالتنفيذ العيني حتى لو عرض أحدهما التنفيذ
بمقابل بطريق التعويض، والتعويض قد يكون نقداً أو عيناً بإزالة المخالفة التي وقعت
من المدين إخلالاً بالتزامه.
والتنفيذ
العيني ينصب على نفس المحل الذي التزم به هذا المدين.
فلا يسوغ
للدائن أن يطلب التنفيذ بمقابل، بأن يطلب من المدين أن يدفع له تعويضاً مادام هذا
الأخير يعرض التنفيذ العيني الكامل للالتزام، كما أنه لا يجوز للمدين بغير موافقة
الدائن أن يعرض لإبراء ذمته من الالتزام أن يدفع عنه التعويض المناسب ما بقي
التنفيذ العيني ممكن وفي غير إرهاق (164 ق.م)، وتنفيذ الالتزام على هذا النحو يعني
الوفاء به وفق ما اتفق عليه الأطراف وبحسن نية، فالوفاء هو الطريق الطبيعي لتنفيذ
الالتزام وانقضائه، وقد نصت المادة 164 ق.م أنه: "يجبر المدين بعد إعذاره
طبقاً للمادتين 180، 181 على تنفيذ التزامه عيناً متى كان ذلك ممكناً"، وقد
نظم القانون الجزائري أحكام الوفاء ضمن "أسباب انقضاء الالتزام" فيما
نظمته تشريعات أخرى ضمن "آثار الالتزام" أي في إطار أحكام التنفيذ
العيني وهو الأقرب لأحكام الفقه الإسلامي التي ترى فيه طريق للتنفيذ الواجب الأداء
من المدين اختياراً أو جبراً أو بطريق التعويض.
والحقيقة أن
الفصل بين أحكام الوفاء باعتباره من طرق الانقضاء (258 إلى 284 ق.م) وأحكام
التنفيذ العيني (164 إلى 175 ق.م) مرده يعود للتقاليد اللاتينية التي قسمت الموضوع
إلى: كيفية تنفيذ الالتزام Exécution
des obligations ويذكر في الآثار، وبين تنفيذ الالتزام ضمن
طرق الانقضاء Extinction des obligationsباعتباره يؤدي لزواله؛
*الوفاء هو
التنفيذ الاختياري للالتزام أي تنفيذ المدين لعين ما التزم به تنفيذاً عينياً (164
ق.م وما يليها)، فهو تصرف قانوني يقوم به المدين مستقل عن الالتزام الذي حصل
الوفاء به، وهو لا يتم إلا بعمل مادي هو التنفيذ، فيؤدي قانوناً لانقضاء الالتزام
أياً كان محله، سواء تمثل في دفع مبلغ من النقود أو تسليم شيء محدد أو نقل ملكية
شيء أو القيام أو الامتناع عن عمل، وفق الشروط التي يحددها الاتفاق والقانون ( 258
ومايليها، 284 ق.م).
المبحث الثاني:
التنفيذ العيني الجبري L’exécution forcée
هو التنفيذ
العيني الجبري أو القهري لكونه يتم جبراً أو قسراً على المدين، فإذا لم يقم بتنفيذ
التزامه اختياراً استطاع الدائن (بالتزام مدني لا طبيعي) أن يجبره على تنفيذ عين
ما التزم به، بالإجراءات الجبرية التي تتخذ في مواجهة المدين لدفعه وإكراهه على
الوفاء بالتزامه، م 164 ق.م: " يجبر المدين بعد إعذاره طبق المادتين 180، 181
على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً"، والتنفيذ الجبري يرد
على مال المدين وليس على شخصه ويتم بواسطة السلطة العامة المنوط بها التنفيذ وفق
الإجراءات المقررة في ق.إ.م.إ (المواد: 600 إلى 798 ق.إ.م.إ).
شروط
التنفيذ العيني الجبري.
إذا لم ينفذ
المدين الالتزام باختياره نفذ جبراً عليه بالوسائل النظامية متى كان ذلك ممكناً لا
يسبب إرهاقاً له، ولا يكون فيه مساس بحرية الشخصية، بعد أن يقوم الدائن بإعذاره.
أ-أن
يكون التنفيذ العيني ممكن.
فلا يجوز
العدول عن التنفيذ العيني إذا كان ممكناً إلا بتراضي كل من الدائن والمدين صراحةً
أو ضمناً، على التنفيذ بطريق التعويض ( 164، 174، 175 ق.م)، أما إذا صار الالتزام
مستحيلاً فإنه لا محل لمطالبته بالتنفيذ العيني وفي هذه الحالة ينقضي التزام
المدين دون تعويض (176، 307 ق.م)، لأنه لا التزام في المستحيل أو لا تكليف في
المستحيل، ولا يقبل طلب التنفيذ العيني سواء أكانت استحالة التنفيذ بفعل المدين أو
لسبب أجنبي لا يد له فيه، غير أنه إذا كانت الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين يقتصر
حق الدائن على المطالبة بالتعويض ( 174، 176، 307 ق.م)، ويستوي أن تكون الاستحالة
مادية كهلاك الشيء أو قانونية كتحريم التعامل في الشيء، أو سقوط آجال الطعن
بالاستئناف، وينقضي الالتزام قانوناً حيث ينشأ ممكناً ويستحيل تنفيذه في وقت لاحق،
أما إذا تحققت الاستحالة وقت نشوئه فالالتزام لا يقوم أصلاً لانتفاء ركن المحل،
وإذا كان الالتزام يتعلق بدفع مبلغ من النقود هو دائماً ممكن.
ب-ألا
يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمدين.
ذلك أنه قد
يكون التنفيذ العيني ممكناً ولكن يكون في هذا التنفيذ إرهاق للمدين، أي صعوبة
شديدة ويكون شأنه أن يلحق بالمدين خسارة فادحة وهي مسألة ترتبط بظروف كل حالة وهي
متروكة لقاضي الموضوع. فإذا كان مرهق يقتصر المدين على دفع تعويض نقدي فلا يسوغ
للدائن أن يتعسف في استعمال حقه بأن يصر على التنفيذ العيني بل يقتصر حقه على
المطالبة بالتعويض ( 124 مكرر، 176، 788 ق.م)، وهو المعنى المأخوذ من المادة 176
ق.م: "إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين، جاز له أن يقتصر على دفع
تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرر جسيم"؛
*غير أنه إذا
كان التنفيذ بطريق التعويض يلحق بالدائن ضرر جسيم فلا يقبل من المدين التعويض
النقدي بل يتعين التنفيذ العيني ولو كان فيه إرهاق للمدين لأن الدائن بعد إعذار
صاحب الحق فهو أولى بالرعاية القانونية لانعدام التعسف من جانبه.
*ولا يمكن
إجبار المتفاوض على التنفيذ العيني ولو كان ممكن وغير مرهق لما فيه من مساس بحرية
التعاقد.
ج-أن
يطلبه الدائن بعد إعذار المدين.
يجب على
الدائن إعذار المدين La mise en
demeure أي بإنذاره وإخطاره على ضرورة الوفاء بالتزامه ووضعه موضع المقصر
أو المتأخر في تنفيذ هذا الالتزام (164، 180 ق.م)، فإنه لا يستحق التعويض إلا بعد
إعذار المدين ما لم يوجد نص مخالف (179 ق.م)، والإعذار إجراء لازم وضروري لاعتبار
المدين مقصراً في التنفيذ.
المطلب الثالث:
وسائل التنفيذ العيني الجبري.
الإكراه
البدني La contrainte par corps أي الجزاءات التي
تلحق الشخص في جسمه لم يعد وسيلة للجبر على تنفيذ الالتزامات المدنية والتجارية
الحديثة.
أولاً:
الغرامة التهديدية L’astreinte
أصبح التهديد المالية
في القوانين الحديثة أفضل وسيلة لجبر المدين على التنفيذ العيني لالتزامه وهو
يتمثل في الحكم على المدين بغرامة مالية تهديدية عن كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر
أو أي وحدة زمنية أخرى لحمله على تنفيذ التزامه عيناً في ميعاد معين تحدده
المحكمة.
وليس الغرض من
هذه الغرامة المالية التهديدية تعويض الدائن عن تأخر المدين في الوفاء، بل المقصود
منها هو الضغط على المدين لحمله ودفعه وجبره على التنفيذ العيني للالتزام على
الوجه الأكمل، خاصةً إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به
المدين نفسه ( 174، 175 ق.م و305، 625 ق.إ.م.إ).
والحكم
القضائي التهديدي الذي يقضي بالغرامة التهديدية هو حكم وقتي يتزايد مع استمرار
إصدار المدين وتعنته على الامتناع عن التنفيذ ثم يحل محله حكم نهائي لجمع مبلغ
الغرامة النهائي، وتقدير التعويض الذي يتحمله المدين عن تأخيره في التنفيذ،
مراعياً مقدار الضرر الذي لحق بالدائن.
وقد ابتدعه
القضاء الفرنسي عام 1834 كوسيلة من وسائل التنفيذ غير المباشرة لحمل المدين
وإكراهه على الوفاء، ودفعه على التنفيذ العيني، والتغلب على إصراره وعناده ومن ثمّ
حمله على الانصياع إلى حكم القاضي بالتنفيذ، وقد سايره التشريع العربي ومنه الجزائري
(174، 175 ق.م و305، 378 وما يليها و625 ق.إ.م.إ)، ونظام الغرامة التهديدية هو
نظام مدني بحت وليس المقصود منه العقوبة الجنائية كما توحي التسمية بل المراد هو
حمل المدين على التنفيذ والإقلاع من العنت والعناد فللقاضي أن يزيد فيها كلما زاد
المدين في عنته حيث لم يكن مقدارها الأول كافي لإكراهه على التنفيذ.
شروط
الحكم بالغرامة التهديدية.
يشترط توافر
ثلاثة شروط:
1-أن
يكون تنفيذ الالتزام عيناً لا يزال ممكن: لأن الحكم بالغرامة التهديدية يهدف إلى حمل المدين على
الوفاء، وإكراهه وإجباره على تنفيذ التزامه تنفيذ عيني، فإذا تبين أن التنفيذ أصبح
مستحيل فإنه لا مجال لاستخدام التهديد المالي لفوات الغرض منها سواء كانت
الاستحالة بخطأ المدين أو بغير خطئه، وهنا قد يتحدد حق الدائن في التنفيذ بمقابل
أو عن طريق التعويض، كما لا محل للقضاء بالغرامة عند عدم وجود التزام في ذمة المدين
كما لو سقط بالتقادم أو استحال تنفيذه لسبب أجنبي لا يد للمدين فيه.
2-أن
يكون التنفيذ العيني غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين: أي يقتضي تنفيذ الالتزام تدخل المدين
شخصياً لاسيما في الالتزامات بعمل كما لو كان المدين ينفرد بالعلم أو الخبرة
والمهارة فلا يستوي لدى الدائن قيام شخص آخر بتنفيذ الالتزام كالتزام فنان ليرسم
لوحة أو طبيب، وكذلك في الالتزام بالامتناع عن عمل كالالتزام بعدم المنافسة حيث لا
يتم التنفيذ العيني إلا من جانب المدين شخصياً، وقد نصت المادة 174 ق.م أنه:
" إذا كان تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه،
جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ ويدفع غرامة تهديدية إن
امتنع عن ذلك".
*ولا يجوز
الالتجاء إلى التهديد المالي إذا انطوى ذلك على مساس بشخصية المدين في حق من حقوقه
اللصيقة بشخصه وهي الحقوق المحمية قانوناً ضد أي اعتداء كحق المؤلف الذي يعطيه
صلاحية نشر مؤلفه على الجمهور.
3-أن يقوم
الدائن بطلب الحكم بالغرامة: يستوجب على الدائن أن يطلب الحكم بالغرامة التهديدية
في أي حالة كانت عليها الدعوى ويجوز أن يصدر الحكم بالغرامة من أي محكمة بما فيها
الاستعجالي (305 ق.إ.م.إ)، وكذا المادة 908: يجوز للجهة القضائية تخفيض الغرامة أو
إلغاؤها، والحكم في الغرامة يدخل في اختصاص قاضي الاستعجال كلما تطلب الأمر ذلك
لدرء الخطر الماس بالحق، وهذه التهديدات المالية يجب مراجعتها وتصفيتها بمعرفة
الجهة القضائية ولا يجوز أن يتعدى مقدار التهديد المالي مقدار التعويض عن الضرر
الفعلي الذي نشأ.
والمحكمة لا
تحكم من تلقاء نفسها بالغرامة لحمل المدين على التنفيذ العيني بل يجب أن يطلب
الدائن ذلك لإكراه الخصم، وللقاضي السلطة التقديرية في الحكم بها أو الرفض ( 984)،
ولا رقابة عليه من المحكمة العليا ولكن يخضع للرقابة بخصوص توافر شروط الغرامة.
ب-طبيعة
الغرامة التهديدية.
هو حكم تهديدي
Comminatoire للضغط على المدين
وحمله وإكراهه على الوفاء، ومن ثم، التنفيذ العيني لالتزامه بواسطة التهديد
المالي، وهو أمر جوازي فللقاضي الحكم بها أو رفضها، فهو ليس حكم قطعي حاسم أو
نهائي يفصل موضوع الخصومة، بل هو حكم مؤقت يكتسي صبغة تهديدية مصيره إلى التصفية
والمراجعة، حسب ما سينتهي له موقف المدين الممتنع عن التنفيذ.
فيجوز للقاضي
الذي أصدر الحكم بالغرامة التهديدية النظر من جديد في استمرار الغرامة التهديدية،
وأن يرجع فيه إذا تبين عدم جدواه، أو أن يعدله بالزيادة ليكون أكثر جدية وفعالية
في تهديد المدين المتعنت وإكراهه لإجباره على الاستجابة للقضاء والتنفيذ، فيعيد
تقدير الغرامة المحكوم بها ليزيد من مقدارها ويمكن له تصفيتها بطلب من أحد الخصوم
( م 174/02 ق.م، 305 ق.إ.م.إ).
والحكم
بالغرامة التهديدية هو حكم مؤقت فهو لا يجوز حجية الأمر المقضي ولا يكون نهائي
واجب التنفيذ، فلا يقبل الطعن فيه بالنقض حتى لو صدر عن محكمة آخر درجة، لأنه لم
ينه موضوع الخصومة الأصلية أو جزءاً منها وإنما قضى بإجراء فيها فقط.
والغرامة
التهديدية ليست تعويض وإنما هي وسيلة للتهديد المالي (982 ق.إ.م.إ)، لذا فتقدير
مبلغها متروك للقاضي الذي يحدده طبق ظروف المدين من يساره أو إعساره، ومقدار تعنته
ومقاومته وإصراره على التخلف وملابسات الدعوى وظروف الحال ( 175 ق.م و 984، 985
ق.إ.م.إ).
والغرامة
التهديدية قد تلتبس بالتعويض الذي قد يصيب الدائن من جراء عدم تنفيذ المدين
بالتزامه، ولكن رغمها فهي تتميز عنه بمقدار المبلغ المحكوم به، فإذا تبين أنه
يقارب التعويض عن الضرر الناجم عن الإخلال بالإلتزام، بعد أن يوضح القاضي عناصر
هذا الضرر في أسباب تحكمه، كان هذا المبلغ تعويضاً عن الضرر وإلا فهو غرامة
تهديدية لا غير.
ونصت المادة
982 ق.إ.م.إ أنه: " تكون الغرامة التهديدية مستقلة عن تعويض الضرر"، كما
نصت المادة 985 من ذات القانون أنه: "يجوز للجهة القضائية أن تقرر عدم دفع
جزء من الغرامة التهديدية إلى المدعي إذا تجاوزت قيمة الضرر وتأمر بدفعه إلى
الخزينة العمومية".
ج-آثار
الحكم بالغرامة التهديدية.
الغرامة
التهديدية مجرد وسيلة غير مباشرة لحث المدين وجبره على الوفاء بالتزامه عيناً، عن
طريق التهديد المالي للضغط عليه ليقوم بالتنفيذ، حيث يلزمه القاضي بدفع مبلغ معين
عن كل مدة زمنية يتأخر فيها عن الوفاء، إلى أن يتبين نهائياً موقف المدين من
التنفيذ أو استمراره الإصرار على العناد، وعليه فالحكم بالتهديد المالي هو حكم
وقتي الغرض منه إكراه المدين وحمله على التنفيذ عيناً.
الحكم
بالغرامة هو حكم وقتي لابد أن يحل محله حكم نهائي يجمع مبلغ الغرامة التهديدية
النهائي، وكذا تقدر التعويض الذي يتحمله المدين عن التأخير أو عدم التنفيذ، فالحكم
النهائي الذي يصفي الغرامة ويقدر قيمة التعويض هو الحكم القضائي النهائي الذي
ينشىء حقاً للدائن ويمكنه من طلب التنفيذ الجبري على أموال المدين.
فإن أحدث
الحكم بالغرامة أثره المنشود في حمل المدين على التنفيذ العيني لالتزامه ينتهي أثر
هذا الحكم التهديدي المالي المؤقت، ويرجع الدائن إلى المحكمة للطالبة بالتعويض
العادل عن الأضرار التي لحقته في فترة التأخير.
أما إذا أصر
المدين على عدم التنفيذ، فإنه يرجع الدائن أيضاً للمحكمة لتقدر له التعويض المستحق
بسبب عدم التنفيذ، وتقدير التعويض يكون بقدر الضرر. أي بقدر الخسارة اللاحقة
بالدائن، وما فاته من كسب، ويراعي القاضي في تقدير التعويض بجانب الضرر الذي أصاب
الدائن، مقدار العنت الذي أبداه المدين، فالذي ينفذ على المدين في نهاية الأمر ليس
هو الغرامة التهديدية الوقتية، بل هو التعويض النهائي الذي يحكم به القاضي.
ولما كان
الحكم بالغرامة التهديدية حكم تهديدياً تحكمياً ووقتياً فهو يحتوي على عيوب تمس
قدسية القضاء وحرمة الأحكام القضائية، فضلاً عما فيه من معنى العقوبة، التي لا
مجال لها في المسائل المدنية ( ص 169 أحكام الالتزام بلحاج العربي).
المبحث الثاني:
كيفيــــــة تقديـــــــــــــر التعويـــــــــــــــــض.
الأصل أن
القاضي هو الذي يتولى تقدير التعويض (التعويض القضائي)، وقد يتولى الطرفان تقديره
مقدماً (التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي)، وفي الحالتين يكون التعويض عن عدم
تنفيذ الالتزام أو التأخر فيه جابراً لكل ضرر أصاب الدائن حيث يشمل ما لحقه من
خسارة وما فاته من كسب.
المطلب الأول:
التعويض
القضـــــــــــــــــــــــائـــــــــــــــي.
الأصل في
التعويض أنه قضائي أي القاضي هو الذي يحدده في طبيعته وفي مداه وفقاً لضوابط وأسس
محددة، ويشترط لاستحقاق التعويض القضائي توافر شروط قانونية وهي: الخطأ والضرر
وعلاقة السببية، وكذا إعذار المدين ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك ( 179 ق.م).
نصت المادة
182 ق.م أنه: " إذا لم يكن التعويض مقدراً في العقد أو في القانون فالقاضي هو
الذي يتولى تقديره، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، بشرط
أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخر في الوفاء به، ويعتبر
الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول".
*إذا لم يكن
التعويض مقدراً في القانون أو في العقد قدره القاضي بما يساوي الضرر الحاصل فعلاً
حين وقوعه لجبر الضرر أو الخسارة التي لحقت بالدائن، وأن الضرر هنا هو ما لحق
الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم تنفيذ
الالتزام أو التأخر في الوفاء به، وتقدير الظروف الخاصة بكل حالة هو أمر موكول
لقاضي الموضوع، بما فيه تقدير التعويضات بكيفية مختلفة حسب خطأ المدين أو غشه أو
تدليسه.
فإنه يشترط أن
يكون الضرر الذي أصاب الدائن ناتجاً عن عدم تنفيذ الالتزام، أو تنفيذه تنفيذاً
ناقصاً أو جزئياً أو معيباً أو التأخر فيه، وأن تكون هناك رابطة سببية بين تحقق
الضرر وعدم تنفيذ الالتزام لسبب عائد للمدين، وعليه إذا لم يلحق الدائن ضرر أو
خسارة جراء عدم التنفيذ أو التأخير فيه، فإنه لا مجال للحكم بالتعويض.
أولاً:
طبيعة التعويض القضائي.
بأن يحكم
القاضي دائماً بالتعويض العيني إذا طلبه الدائن، وكان ممكناً من غير إرهاق كبير
للمدين (164 ق.م)، كأن يحكم بإزالة بناء أقامه المدين مخالفة لالتزام يمنعه من
إقامته.
أما إذا كان
التعويض العيني غير ممكن أو كان فيه إرهاق للمدين جاز للقاضي أن يحكم للمضرور
بالتعويض النقدي عن الضرر الناجم عن عدم تنفيذ الالتزام وفق المادة 179 ق.م، يراعى
فيه قيمة المال، وما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب مؤكد وقت صدور
الحكم القضائي، دون أن يعتبر ذلك قضاء بما لم يطلبه الخصوم وفق المادة 182 ق.م.
ثانياً:
حدود التعويض القضائي.
إن التعويض
يشمل قانوناً ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب، وهو الضرر المباشر من جراء
إخلال المدين بالتزامه لعدم التنفيذ أو التأخر فيه وفق المادة 182/1 ق.م، وهو يعني
أن يكون الضرر مؤكد ومحقق، ناجماً عن الضرر الواقع فعلاً بسبب عدم الوفاء
بالالتزام كلياً أو جزئياً أو التأخير في تنفيذه.
*فالضرر
الفعلي المباشر يقوم على عنصرين (182/1 ق.م) هما: الخسارة الحقيقية التي لحقت
بالدائن والكسب أي الربح المؤكد الذي فاته، متى كانا ناتجين مباشرة من عدم الوفاء
بالالتزام أو التأخير في تنفيذه.
ويحق للدائن
إلى جانب التعويض الذي يحكم له به القاضي أن يطالب بالفوائد القانونية عنه
(الفوائد التأخيرية)، إذا كان محل الالتزام مبلغ من النقود (186 ق.م).
أ-لا
يجوز المطالبة سوى بالضرر الفعلي المباشر: فلا يجوز للدائن المطالبة سوى بالضرر الفعلي المباشر،
الذي يعد نتيجة طبيعية لعدم تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي أو التأخير في تنفيذه
(182/1 ق.م)، ففي المسؤولية العقدية يتم التعويض عن الضرر المادي المباشر المتوقع
أي الضرر الواقع والحاصل الذي لحق بالدائن فعلاً (131، 175، 182، 182 مكرر ق.م)،
أما الضرر غير المتوقع فلا تجوز المطالبة به إلا في حالة الغش والخطأ الجسيم
(172/2، 178، 182/2 ق.م)، على خلاف المسؤولية التقصيرية، والخطأ الجسيم هو قرينة
على سوء نية المدين فيكفي الدائن إثباته ليكون المدين مسؤولاً عن الضرر المتوقع
وغير المتوقع، م 182/2 ق.م: " إذا كان الالتزام مصدره العقد، فلا يلتزم
المدين الذي لم يرتكب غشاً أو خطأ جسيم إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة
وقت التعاقد"، فيكون للمسؤولية العقدية في حالتي الغش Le dol والخطأ الجسيم La faute lourde حكم المسؤولية
التقصيرية، وفي خلافه لا يسأل إلا عن الضرر المتوقع، أي النتيجة الطبيعية لتخلف
الالتزام شرط أن تكون تلك النتيجة مما يمكن توقعه عادة وقت التعاقد والمعيار هنا
موضوعي هو ما يتوقعه الرجل العادي في نفس ظروف المدين.
ب-ضرورة
أن يكون الضرر محقق ومؤكد.
ولا يشمل
التعويض إلا الضرر الذي تتوافر فيه الشروط القانونية، بأن يكون محقق ومباشر ومؤكد
أي ما لحق المضرور فعلاً من خسارة حقيقية وما فاته من كسب مؤكد، أما الأضرار
الاحتمالية أو غير المباشرة وغير المتوقعة في مرحلة التنفيذ فلا يشملها التعويض،
وتقدير التعويض يخضع للسلطة التقديرية للقاضي دون معقب من المحكمة العليا طالما
علل قرارهن فالمحكمة المختصة تقدر التعويض بما يساوي الضرر الحاصل فعلاً بقيمته
الحقيقية وقت صدور الحكم، وحق الدائن في التعويض ينشأ من يوم وقوع الضرر، وتاريخ
تقويم الضرر هو تاريخ صدور الحكم.
ويجوز التعويض
عن ضرر تفويت فرصة شريطة أن تكون حقيقية وجادة وأن تقوم على أسباب معقولة أو
مقبولة رغم صعوبة تقديرها كقيمة مالية.
ج-التعويض
عن الضرر المعنوي:
وهو الضرر الأدبي الذي يصيب الشخص في شرفه أو اعتباره أو سمعته أو عاطفته، وقد نصت المادة 182 مكرر
أنه يشمل التعويض عن الضرر المعنوي كل مساس بالحرية أو الشرف أو السمعة، كما نصت
المادة 131 ق.م أنه يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقاً
لأحكام المادتين 182 و182 مكرر مع مراعاة الظروف الملابسة، والضرر المعنوي مسألة
موضوعية موكول تقديرها بقاضي الموضوع دون رقابة المحكمة العليا، شريطة التعليل، في
حين أن تقدير الضرر المادي وإن كان يعود لسلطته التقديرية طبق المادة 182 إلا أنه
ملزم أن يثير في حكمه إلى العناصر الجوهرية اللازمة التي اعتد بها لتقدير المبلغ
المستحق الذي قضى به وأن يعلل حكمه تعليلاً واقعياً وقانونياً بما تجمع لديه من
وقائع الدعوى والوثائق والمستندات المقدمة، كما أن القضاء المدني مقيد بما أثبته
القاضي الجزائي.
المطلب الثاني:
التعويض الاتفاقي أو الشرط الجزائي.
وهو الاتفاق
بين المتعاقدين على تقدير التعويض الذي يستحقه عن شرط له عن الضرر الذي يلحقه إذا
لم ينفذ الآخر التزامه أو تأخر فيه، وهو ما يسمى بالشرط الجزائي، وهو أن يتفق
الدائن والمدين مقدماً على تحديد مقدار التعويض بالنص عليه في العقد الأصلي أو في
اتفاق لاحق قبل حدوث الضرر، وتنص المادة 183 ق.م: "يجوز للمتعاقدين أن يحددا
مقدماً قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق وتطبق في هذه الحالة
المواد من 176 إلى 181"، والأصل أن هذا الشرط يقع صحيحاً وينتج أثره القانوني
لجبر الأضرار أو الخسارة التي لحقت بالدائن من جراء عدم تنفيذ الالتزام أو تنفيذه
تنفيذ جزئي أو ناقص أو معيب، إعمالاً لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين (106،
107)، فهو وسيلة لحمل المتعاقد على الوفاء بالالتزام التعاقدي، وعدم التأخر في
تنفيذه (183، 184، 185 ق.م)، والشرط الجزائي كثير الوقوع في الحياة العملية
بالنسبة للالتزامات الناشئة من العقد، كتلك بين البائع والمشتري، فجوز أن يشترط
الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ماعدا التي يكون فيها الإلتزام دين فهو من
الربا.
فغرض الشرط
الجزائي هو أن يعتبر تقدير جزافي مسبق للتعويض واستبعاد تدخل القضاء في تقديره،
ويصح أن يكون مبلغ من النقود أو شيء أو عمل أو امتناع عن عمل، كما يمكن أن يستعمل
بمثابة تهديد مالي للضغط على الطرف الآخر، وحثه على وفاء بما التزم به وعدم التأخر
في تنفيذه كما هو الحال في الاتفاق على مبلغ يزيد كثيراً عن الضرر المتوقع، وقد يقوم
الشرط الجزائي بدور الشرط المقيد أو المحدد للمسؤولية، أي كوسيلة للتخفيف من
مسؤولية المدين. كما لو كان أقل من قيمة الضرر، ولم يثبت أن المدين قد ارتكب غش أو
خطأ جسيم.
والشرط
الجزائي جائز شرعاً في المذاهب الأربعة لقول الرسول (ص): "المسلمون على
شروطهم إلا شرطاً حرم حلالا أو حلل حراماً".
أولاً:
خصائص الشرط الجزائي.
وفق المادة
183 ق.م له ثلاث خصائص.
أ-الشرط
الجزائي التزام تبعي:
فليس الشرط الجزائي مقصود لذاته، ولكنه وسيلة لغاية مقصودة وهي حمل المتعاقد على
تنفيذ التزامه وعدم الإخلال بالالتزام العقدي، فهو التزام تبعي يتبع الالتزام
الأصلي وجوداً وعدماً، يستهدف مجرد تقدير التعويض الذي سوف يكون مستحقاً، عند
الإخلال بالالتزام بعدم تنفيذه أو التأخر فيه، وهو لا يقوم مستقلاً وهو في هذا
يتشابه مع التأمينات الخاصة.
ويترتب على
هذه الصفة الجوهرية أن بطلان الالتزام الأصلي يؤدي إلى بطلان الالتزام التبعي
(الشرط الجزائي)، فالتابع يتبع الأصل في الحكم، وكذلك يتبعه في الوصف بأن يكون
معلق على شرط أو مضاف إلى أجل.
ب-الشرط
الجزائي هو التزام احتياطي:
أي أنه تنفيذ بمقابل أي تعويض قدره الطرفان احتياطياً Subsidiaire فهو لا يستحق إلا بعد
أن يصبح التنفيذ العيني غير ممكن وبعد إعذار المدين، لأن الإعذار هو شرط أساسي
لاستحقاق التعويض ما لم يوجد نص مخالف (179 ق.م)، وعليه فالشرط الجزائي لا ينشىء
التزام جديد بين الطرفين وإنما هو مجرد اتفاق تعويضي يثبت في ذمة المدين عند عدم
التنفيذ، فالدائن والمدين لا يتقيدان بالشرط الجزائي طالما ظل التنفيذ العيني ممكن
لأنه هو الأصل (م 183 ق.م)، والشرط الجزائي ليس التزام بدلي لأن الالتزام الأصلي
إذا كان ممكن لا يستطيع المدين العدول عنه بتنفيذ الشرط الجزائي كبديل له، كما ليس
التزام تخييري لأن الدائن ليس له الاختيار بينهما.
والشرط
الجزائي بهذا المفهوم لا يمكن أن يجتمع مع التعويض لأنه بمثابة تعويض، إلا إذا قصد
به التعويض عن التأخير فيمكن أن يجتمع مع التعويض عن عدم التنفيذ وكذلك مع التنفيذ
العيني.
فإذا قامت
مسؤولية المدين العقدية نتيجة الإخلال تحدد التعويض الذي يتحمله عن جراء ذلك، وفق
ما جاء في الشرط الجزائي المتفق عليه مقدماً، فالالتزام بالشرط الجزائي هو التزام
تعويضي احتياطي يستحقه من شرط له عن الضرر الذي يلحقه.
ج-الشرط
الجزائي هو تقدير جزافي للتعويض: وهي الصفة التعويضية للشرط الجزائي الناشئة عن كون هذا التعويض اتفاقي قد
تم تقديره مقدماً من طرف المتعاقدين أي قبل وقوع إخلال المدين بالتزامه، ولا
يستطيع المتعاقدان التنبىء بمقدار الضرر المادي الفعلي والحقيقي الذي يصيب أحدهما
نتيجة الإخلال، فيشترط لتطبيق الشرط الجزائي المحدد مقدماً حصول الضرر ممن أخطأ
فأخل بشرط العقد المتفق عليه وحصل إعذار المقصر.
فيتعين
لاستحقاق التعويض الاتفاقي اجتماع عناصر المسؤولية العقدية من خطأ وضرر وعلاقة
السببية بين الخطأ والضرر ثم الإعذار، وتطبق في هذه الحالة أحكام المواد من 176
إلى 181 ق.م، وقد نصت المادة 183 أنه يقع على الدائن عبء إثبات خطأ المدين والضرر
الذي لحقه، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر ( م323 ق.م).
وعليه لا يكون
التعويض الاتفاقي مستحق إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر (184/1)، أو
انتفاء علاقة السببية بين الخطأ والضرر كما لو أثبت أن خطأ المدين ليس هو السبب
المباشر فيما لحق الدائن من ضرر.
*وعليه
لا يعمل بالشرط الجزائي في الحالات التالية:
-انتفاء خطأ
المدني، كما لو استحال التنفيذ لسبب أجنبي؛
-عدم تحقق
الضرر الناتج عن إخلال المدين بالتزامه؛
-انعدام
السببية بين الخطأ والضرر.
وأجاز القانون
للمدين دحض قرينة الضرر، م 184/1: " لا يكون التعويض المحدد في العقد مستحقاً
إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر"، على خلاف المشرع الفرنسي 1231
و1152 ق.م.ف التي تقضي أن الشرط الجزائي يستحق ولو لم يثبت الدائن أن ضرر أصابه
وكذا القضاء الفرنسي، من أن اتفاق الطرفين على الشرط وتقديرهما التعويض يعني أنهما
مسلمان بأن إخلال المدين بالتزامه يحدث ضرر اتفقا مسبقاً على تقدير التعويض اللازم
له.
ثانياً:
آثار الشرط الجزائي.
الأصل أنه إذا
تحققت شروط الشرط الجزائي تعين على قاضي الموضوع الحكم به دون زيادة أو نقصان
وفقاً لنية المتعاقدين وعلى كل حال فللقاضي وفق سلطته التقديرية صلاحية التدخل في
تعديل مقدار الشرط الجزائي.
فإذا تبين بعد
الإخلال بالتنفيذ أن مقدار الضرر الحقيقي الذي أصاب الدائن يساوي مبلغ الشرط
الجزائي حكم به القاضي دون زيادة أو نقصان إعمالاً للنية المشتركة للمتعاقدين التي
اتجهت إلى تحديد التعويض.
*أما إذا تبين
أن مقدار الشرط الجزائي يزيد عنه زيادة فاحشة أو مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، فإنه
يجوز للقاضي تخفيضه إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر الواقع الذي لحق بالدائن فعلاً،
فللقاضي سلطة تخفيض الشرط الجزائي بقدر أهمية الأداء الذي نفذه المدين، إذا أثبت
المدين قيامه بالتنفيذ الجزئي لالتزامه والتخفيض هنا جوازي للقاضي ( 184/2 ق.م).
أما إذا تبين
أن مقدار الشرط الجزائي يقل عن مقدار الضرر فإنه لا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من
هذه القيمة لأنها صورة من صور التخفيف في المسؤولية إلا إذا أثبت الدائن أن المدين
قد ارتكب غش أو خطأ جسيم، المادة 185 ق.م : " إذا جاوز الضرر قيمة التعويض
المحدد في الاتفاق فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت
الدائن أن المدين قد ارتكب غش أو خطأ جسيم"، ففي هاتين الحالتين يتعين على
القاضي أن يزيد الشرط الجزائي بل يتعداه ليصبح متناسباً مع مقدار الضرر الناتج عن
هذا الغش أو ذلك الخطأ الجسيم، لأنه لا يسري قانوناً الاتفاق على الإعفاء من
المسؤولية عن صدور الغش أو الخطأ الجسيم من المدين.
وأحكام سلطة
القاضي في الشرط الجزائي من النظام العام، يقع باطلاً كل اتفاق على مخالفتها
(184/3 ق.م)، لات تقدير التعويض من اختصاص قاضي الموضوع إلا أنه يتعين عليه ذكر
مختلف العناصر القانونية التي تشكل أساس تقديره لإتاحة الفرصة للمحكمة العليا
لممارسة الرقابة.
ويشترط
لاستحقاق الشرط الجزائي ما يشترط في قيام المسؤولية العقدية من خطأ وضرر وعلاقة
سببية، وإعذار المدين.
*مجمع الفقه الاسلامي
في جدة في قراراه رقم 109 لسنة 2000 أفتى أنه: "يجوز للمحكمة بناءاً على طلب
أحد الطرفين أن تعدل مقدار الشرط الجزائي إذا وجدت مبرر لذلك أو كان مبالغ
فيه..."[2].
موضوع ممتاز بوركت يا استاد
ردحذف