//]]> -->

بحث هذه المدونة الإلكترونية

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

التسميات

الإبلاغ عن إساءة الاستخدام

الخميس، 14 يونيو 2018

الباحث القانوني | القوة الملزمة للعقد: من حيث الأشخاص (الجزء الأول)




القوة الملزمة للعقد [1].
إذا قام العقد صحيح واستوفى جميع أركانه وشروطه توفرت له القوة الملزمة، فيصبح مضمونه واجب التنفيذ وبحسن نية ( 107، 107 ق.م). وهذا الوجوب هو ما يعرف بالقوة الملزمة La force obligatoire du contrat، والتي صغها الفقهاء في "العقد شريعة المتعاقدين". ولا يتقيد بهذه القوة إلا المتعاقدان أصلا ومن يمثلانهم في التعاقد، فهؤلاء دون غيرهم من ينصرف لهم أثر العقد فكان الأثر نسبياً، فالعقد نسبي في أثره لا يلزم إلا أطرافه بما ورد فيه L’effet relatif du contrat/ la relativité du contrat، ويقول العميد J.carbonnier : "إن الفطرة السليمة للإنسان ومبدأ الاستقلال الفردي يتطلبان أن ينشغل كل فرد بأعماله وأن لا يهتم بشؤون الغير". والعقد يعتبر بمثابة القانون بالنسبة لطرفيه يلتزمان بتنفيذه وبحسن نية كما يلتزمان بتنفيذ القانون تماماً.
وقد تناول المشرع آثار العقد القانونية في المواد من 106 إلى 118 ق.م.
المبحث الأول:
القوة الملزمة للعقد من حيث الأشخاص.
تخضع القوة الملزمة من حيث الأشخاص إلى مبدأ مهم وهو مبدأ نسبية أثر العقد Le principe de l’effet relatif ، وهو النطاق الشخصي لآثار العقد، ومفاده أن أثره يقتصر على أطرافه بما يتضمن من حقوق والتزامات، وتنص المادة 113 ق.م أنه: " لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقاً"، فلا يلتزم غير الأطراف بما ورد في العقد لأن العقد لا ينشىء في ذمة الغير التزاماً، ولكن قد يكسبه حقاً، لكن هذا المبدأ العام ترد عليه استثناءات قانونية أبرزها الاشتراط لمصلحة الغير La stipulation pour autrui والتي نظمت في المواد: 116، 117، 118 ق.م.
أولاً: أثر العقد بالنسبة للمتعاقدين.
استقر أن العقد لا يتناول أثره إلا المتعاقدين، فالشخص الأجنبي الذي لم يكن طرف فيه ولم تربطه صلة بأي من طرفيه لا ينصرف إليه أثر العقد سواء كان حقاً أو التزام، والنائب الذي يتعاقد باسم الأصيل لا تنصرف إليه آثار العقد الذي أبرمه رغم أنه هو من تعاقد، وإنما تنصرف الآثار إلى الأصيل مباشرة ( م 74 ق.م).
لكن هناك أشخاص في منطقة وسطى فليسوا أطراف أصلية في العقد وليسوا أجانب عن الأطراف الأصلية بل تربطهم بأحد طرفي العقد صلة: خلافة أو دائنية، فما هو حكمهم بالنسبة لأثر العقد؟
والحقيقة أنه يجب التوسع في مصطلح "انصراف" في المادة 108 لأنه يتسع قانوناً ليشمل الخلف العام والخلف الخاص والدائنين فهم لا يعتبرون من الغير في العقد فينصرف لهم أثره.

ثانياً: أثر العقد بالنسبة للخلف العام. Ayant-cause à titre universel
ويعرف أنه من يخلف الشخص في مجموع التركة أو في جزء منها كالوارث والموصى له بنسبة معينة من التركة، والخلافة العامة تكون بسبب عام، وهي لا تقوم إلا بعد الموت بطريق الميراث أو الوصية ( 774 ق.م و 180 ق.أ)، فالخلف العام يحل محل السلف في ذمته المالية كلها أو في جزء منها، ويلزم بالعقد لأن السلف كان ملزم به، وله أن يتمسك كقاعدة بحقوق السلف وليس بحقوقه الشخصية إذ أنه لا يضار بالتزامات السلف. ويسري عليه ما يسري على السلف ففي حالة الصورية يسري عليه العقد الجدي المستور ( 199 ق.م)، وتنتقل له كل الدعاوى والدفوع في حدود الآجال التي قررها القانون، كما ينتقل له الحق في ممارسة الخيارات العقدية والقانونية التي كانت ثابتة قانوناً للسلف.
تنص المادة 108 ق.م أنه: " ينصرف العقد إلى المتعاقدين والخلف العام ما لم يتبين من طبيعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام كل ذلك مع مراعاة القواعد المتعلقة بالميراث"، وقد استمد المشرع هذه القاعدة من القانون الفرنسي م 1122 لكنه قيدها بأحكام الميراث في الشريعة أب قاعدة " لا تركة إلا بعد سداد الديون" (180 ق.أ)، وعليه فانتقال الحقوق إلى الخلف العام يتم عن طريق انتقال الذمة المالية للمورث في ناحيتها الإيجابية، وهي لا تنتقل إلا بعد تصفية التركة من جميع الديون والالتزامات العالقة بها.
أ-مدى تأثر الخلف العام بالالتزامات التي يبرمها السلف.
الميراث في الفقه الإسلامي هو خلافة جبرية مقررة بحكم الشارع لا يجوز الاتفاق على مخالفته فهو نظام ملزم لكل من الوارث والمورث، وهو لا يستحق إلا بعد تصفية التركة من جميع الديون والالتزامات العالقة بها، بخلاف القانون المدني الفرنسي الذي يجعل من الميراث نظام اختياري يعطي الحق للورثة أن يرفضوا التركة مسبقاً خوفاً من سلبياتها، ومعنى هذه القاعدة الشريعة أن الورثة لا يسألون في أموالهم الخاصة عن الوفاء بالديون والالتزامات التي تركها المورث فلا تنتقل التزامات المورث غلى ورثته الشرعيين إلا في حدود أموال التركة وبنسبة مناب كل واحد منهم، وهو الأمر الذي لا يمنع انتقال أموال التركة إلى الخلف العام لحظة الوفاة، مع تحديد مسؤولية الورثة عن التزامات مورثهم، فهم لا يلتزمون بالوفاء بها، إلا في حدود ما آل إليهم من أموال التركة بعد تصفيتها، ومتى أصبحت التركة صافية انتقلت ملكيتها إلى الورثة الشرعيين.
فلا خلافة في الديون والالتزامات طبق الشريعة، وهذا المبدأ يقضي أن الإلتزام يبقى في التركة دون انتقاله إلى ذمة الوارث، لأن الديون الثابتة في ذمة المتوفي لا تورث، فهي متعلقة بالتركة وحدها فإذا تجاوزت الديون مجموع أموال التركة فإن الورثة وهو الخلف العام غير مسؤولين عن سدادها ( 180 إلى 183 ق.أ)، فإذا رفض الورثة التركة لم يجبروا على قبولها ولا على تحمل ديونها، وليس للدائنين في هذه الحالة إلا أن يباشروا التنفيذ ضد التركة لاستيفاء حقوقهم، وهو ما سارت عليه المحكمة العليا أخذاً برأي السادة المالكية.

ب-حالات عدم سريان آثار العقد في حق الخلف العام.
إن مبدأ انتقال وصف الطرف في العقد إلى الخلف العام حيث يستفيد من مخلفات العقود التي أبرمها سلفه ترد عليه استثناءات أشارت لها المادة 108 ق.م:
1-إذا احتوى العقد على اشتراط عدم انصراف أثر العقد إلى الخلف العام: صح هذا الشرط  أو البند طالما لم يخالف النظام العام والآداب، فالعقد شريعة المتعاقدين (106 ق.م)، وعندها لا ينصرف أثر العقد للخلف العام.
2-إذا كانت طبيعة الحق أو الالتزام تتنافى مع انتقاله للخلف العام: مادياً أو قانونياً كشركات الأشخاص أو الإيراد المرتب مدى الحياة، وحق الانتفاع بنص القانون، أو عقد العمل...
3-إذا ورد نص في القانون يقضي بعدم انصراف أثر العقد للخلف العام: كحق الانتفاع ينتهي بموت المنتفع ( م 852)، وانتهاء الشركة بموت أحد الشركاء ( م 439 ق.م)، وانتهاء الوكالة بموت الموكل أو الوكيل ( م 586 ق.م).
4-وأهم الحالات التي يتعطل فيها المبدأ: هي حالة التصرف في مرض الموت (408 ق.م)، وحالة التصرف لوارث مع الاحتفاظ بحيازة العين المتصرف فيها، وبالحق في الانتفاع مدى الحياة ( 776، 777 ق.م)، إذ أعطاها القانون حكم الوصية واعتبر الورثة من الغير فيما تجاوز 1/3 التركة، وقرر أن صفة الطرف لا تنتقل إليهم عند الوفاة إلا في حدود التركة وما زاد عن ذلك يتوقف على إجازتهم، فلا يكون نافذ في مواجهتهم.
ثالثاً: أثر العقد بالنسبة للخلف الخاص Ayant-cause à titre particulier.
وهو كل من يكتسب ممن يستخلفه حق على شيء معين، أي كل من يتلقى من السلف بمقابل أو بدون مقابل حق معين كان قائم في ذمته، سواء كان هذا الحق عيني أم شخصي أم ذهني يرد على شيء غير مادي، فإذا كان عقد السلف متعلقاً بالشيء المستخلف انتقل ما يرتب هذا العقد من حقوق والتزامات إلى الخلف الخاصة بشروط محددة، فالمشتري خلف للبائع في المبيع، فيتأثر الخلف الخاص بتصرفات السلف ويحتج بها عليه من الناحية القانونية بشروط معينة، وتنص م 109 ق.م أنه: "إذا أنشأ العقد التزامات وحقوق شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء إذا كان من مستلزماته، وكان الخلف الخاص بعلم بها وقت انتقال الشيء إليه".
فالخلف الخاص يتأثر بالعقود التي أبرمها السلف، أي أن وصف الطرف ينتقل إليه إذا توافرت شروط المادة 109 ق.م، ولا يكون للخلف أكثر مما كان للسلف، أي أن الشخص لا يستطيع أن ينقل للغير أكثر مما كان له، ويختلف الخلف العام عن الخلف الخاص في أن الخلف العام يخلف سلفه في ذمته المالية وفي نسبة منها تعادل ما آل إليه، أما الخلف الخاص فلا ينتقل إليه سوى شيء معين، ولا يتصور من ثم أن يثور سوى أثر العقود التي تتعلق بهذا الشيء المعين الذي انتقل إليه، فالمشتري باعتباره خلف للبائع في المبيع لا تعرض مسألة إنصراف أثر العقود التي أبرمها إلى المشتري إلا إذا كانت هذه العقود متعلقة بالعين المبيعة وقائمة وقت البيع، وعليه ينحصر البحث في أثر العقد الذي أبرمه السلف، بالنسبة للخلف الخاص على العقود التي يكون السلف قد أبرمها في شأن الشيء الذي تلقاه الخلف منه، قبل انتقال هذا الشيء للخلف الخاص، أما العقود التي يبرمها السلف والتي لا شأن لها بالشيء المستخلف فيه، أو تلك التي يبرمها بعد انتقال الشيء إلى الخلف فلا ينصرف أثرها إليه.
أ-مدى تأثر الخلف الخاص بالتصرفات التي يبرمها السلف.
يفرق الفقه والقضاء الفرنسي في أثر العقود بين الحقوق والالتزامات:
1-الحقوق: يجمع الفقه والقضاء في فرنسا على انتقال الحق الذي عقده السلف إلى الخلف الخاص، مادام متصلاً بالشيء الذي استخلف فيه، ولا يشترط أن يكون الحق تبعاً من توابع الشيء (كالارتفاق)، بل يكفي أن يكون الشيء محل اعتبار في تقرير الحق، فيما يخص التصرفات المنشئة للحقوق العينية فهي تنتقل للخلف الخاص سواء كانت إيجابية أو سلبية، كالرهن والارتفاق، حيث تنتقل الملكية مثقلة بهذه الحقوق العينية.
2-الالتزامات: وهي الديون الشخصية والالتزامات التي عقدها السلف، فالقاعدة العامة عدم انتقالها للخلف الخاص، ولو كانت متعلقة بالمال الذي استخلف فيه فهو كأصل عام لا يتأثر بالديون والالتزامات والتعهدات التي يبرمها السلف على الشيء، خاصة منها القائمة على الاعتبار الشخصي.
*غير أنه متى يكون العقد متعلق بالشيء المستخلف ينصرف أثره مع هذا الشيء وتعتبر الالتزامات التي ينشئها العقد متعلقة بالشيء إذا كانت من مستلزماته، ويعتبر الحق من مستلزمات الشيء إذا كان مكملاً له، أي من التوابع المكملة لموضوع الحق الذي انتقل للخلف كالتأمين، فأثر العقد الذي يبرمه السلف ينصرف إلى الخلف الخاص إذا كان حقاً يكمل الشيء أو إذا كان من مستلزماته، وكان الخلف يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه.
فإن لم تكن الحقوق والالتزامات من مستلزمات الشيء فهي لا تنتقل قانوناً، ويجب أن يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه ( 109 ق.م).
ب-شروط انصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص:
لا تكون العقود التي أبرمها السلف سارية إلا إذا تحققت الشروط الثلاثة في م 109 ق.م:
1-أن يكون عقد السلف سابق على التصرف الذي انتقل به الحق للخلف: بأن يكون تاريخ عقد السلف سابق على كسب الخلف للملكية؛
2-أن يكون العقد وثيق الصلة بالشيء المستخلف فيه: بأن تكون الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد من مستلزمات الشيء بأن تكون مكملة أو محددة له أي من توابعه وملحقاته؛
3-أن يكون الخلف الخاص عالم بالحقوق والالتزامات وقت انتقال الشيء: والمقصود به العلم الفعلي وقت انتقال الشيء محل الاستخلاف وليس إمكان العلم شرط أن يكون العقد ثابت التاريخ؛
رابعاً: أثر العقد بالنسبة للدائنين. Créancier chirographaire
ليس الدائن العادي  خلف عام للمدين وليس خلف خاص له، ومع ذلك يتأثر الدائن بالعقود التي يبرمها مدينه، إذ هو كقاعدة عامة يتأثر بتصرف المدين، فإذا اكسب التصرف المدين حقاً زادت فرصة الدائن في استيفاء حقه، وإن حمله التزاماً ضاقت هذه الفرصة فينجم عن نقص أمواله ضعف الضمان العام Gage commun .
والمقصود بالدائنين العاديين هو الدائنون الذين لا يتمتعون بأي تأمين عيني أو ضمان على أموال المدين، فإذا لم تكفي تقسم علهم قسمة الغرماء (188 ق.م).
والغرض من فكرة الضمان العام للدائن على أموال المدين هو تمكينه من استيفاء حقه القانوني منها Le droit de gage général بالحجز والتنفيذ عليها بالوسائل النظامية تمهيداً لبيعها واقتضاء حقه من ثمنها، وجميع الديون متساوية في جوزا الاستيفاء من أموال المدين جميعاً، ولا تقدم لدين سابق ولا أولوية ولا أفضلية إلا بنص القانون (188/2 ق.م والمواد: 600، 646، 650 و667 وما يليها من ق إ م إ قانون: 08-09 مؤرخ في 25 فبراير 2008.).
فالدائن يتأثر بتصرفات المدين تأثر غير مباشر فهو لا يكتسب منها حقاً أو تحمله التزام فيستفيد ويضار منها، فالمسألة هي احتجاج الدائن بالعقد وليس الخلافة لأن العقد هو واقعة ليس في وسع أحد تجاهلها، فيكون للكافة أن يحتجوا بها كما يحتج بها عليهم.
*وخول المشرع للدائن حماية قانونية نظامية تجاه التصرفات الضارة به التي يباشرها المدين، والتي تؤثر على الضمان العام، ومن هذه الوسائل: الدعوى غير المباشرة: Action oblique، حتى يحافظ على حقوق المدين نيابة عنه ( 189، 190 ق.م)، والدعوى البوليصية Action paulienne ، أو دعوى عدم نفاذ التصرفات ضد تصرفات المدين الضارة التي تنطوي على غش بقصد إضعاف الضمان العام والإضرار بالدائن ( م 191 ق.م) بقصد تعطيل أثرها وعدم نفاذها في مواجهته، ودعوى الصورية Action en simulation إذا صدر من المدين تصرف صوري كاذب ( 199 ق.م)؛ وكذا الحق في الحبس Droit de rétention حيث يمتنع الدائن عن تنفيذ التزامه بتسليم الشيء لحين استيفاء حقه (م 200 ق.م).
وللدائن فضلاً عن هذه الدعاوى المشهورة التي تكفل له الحماية والمحافظة على الضمان العام له طلب شهر إعسار المدين إذا كانت أمواله لا تكفي للوفاء بديونه المستحقة ليتمكن من التنفيذ عليها Mesures d’exécution للحصول على أكبر قدر ممكن من حقه، وليكفل له شيء من المساواة مع غيره من الدائنين العاديين.

خامساً: أثر العقد بالنسبة للغير.
المبدأ العام هو أن العقد لا ينفع ولا يضر غير عاقديه ومن ينوب عنهم وخلافاءهم وهو نسبية أثر العقد، فالعقد لا يلزم إلا المتعاقدين وفق مبدأ سلطان الإرادة، فهو أداة تعبير عن الإرادة لا تلزم سوى أصحابها المباشرة أو غير المباشرة، وأكدت المادة 114 ق.م هذا الحكم بالنص: " لا يرتب العقد التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقاً".
والقاعدة في القانون المدني أن أثر العقد لا ينصرف إلى الغير سواء كان هذا الأثر حق أو التزام، وهو أمر يتفق مع المنطق القانوني ومع مبادئ الحرية الفردية، وهو ما جرى عليه علماء الفقه الإسلامي، حيث لا يجوز لأطراف العقد أن يحتجوا بالعقد لمطالبة الغير بتنفيذ التزام ترتب عليه، كما أنه لا يجوز للغير أن يتمسك به ليدعي حقاً نشأ له عنه، فالأصل أنه ليس للعقد أن يضر بالغير كما أن العقد هو واقعة قانونية لا يمكن للغير تجاهلها مما يستوجب على الغير احترام العلاقة العقدية وعدم المساس بمصالح المتعاقدين.
والخلف العام والخاص ينصرف إليهم أثر العقد ماعدا في أحوال معينة ( م 108، 109 ق.م)، وهناك طائفة أخرى تشمل أشخاص غير المتعاقدين فهؤلاء أجانب كأصل عام عن العلاقة العقدية فلا ينصرف إليهم أثره، غير أن هناك استثناء بحكم القانون من أن أثر العقد لا ينصرف إلى الغير لاعتبارات ترجع إلى العدالة واستقرار المعاملات، كالعقود الجماعية في تشريع العمل، وتصالح جماعة الدائنين مع المفلس في القانون التجاري، أيضاً تصرف الوارث الظاهر يسري في حق الوارث الحقيقي رغم أنه لم يكن طرف، كما يعطي القانون للغير دعوى مباشرة في عقد لم يكن طرف فيه.
وهناك استثناء يحققه الأطراف وهو الاشتراط لمصلحة الغير.
المطلب الأول:
التعهد عن الغير La promesse de porte-fort.
أ-مفهومه: يقصد به أن يلتزم أحد الطرفين في العقد في مواجهة الآخر أن يجعل الغير يلتزم بأمر معين، فهو العقد الذي يتعهد فيه أحد الطرفين (المتعهد) بأن يجعل شخص آخر يلتزم بالتزام معين قبل الطرف الآخر للعقد (المتعهد له)، ويتمثل هذا الالتزام في الحصول على إقرار الغير لعقد أو تصرف قانوني أبرمه المتعهد لحسابه دون أن يكون نائب عنه.
والتعهد عن الغير رهين بأن تكون هناك عقبة مادية أو قانونية تحول دون الحصول على رضا المتعهد عنه وقت التعاقد، وهو لا يشكل استثناء من مبدأ نسبية العقد لأن المتعهد عنه له مطلق الحرية في الالتزام من عدمه، فالتعهد في حقيقته القانونية هو عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين بالحصول على إقرار الغير للعقد أو لتصرف قانوني أبرمه لحسابه دون أن يكون نائب عنه.


ج-شروط التعهد عن الغير (114 ق.م).
ومقوماته هي:
1-أن يتعاقد المتعهد باسمه: باسمه هو وليس باسم الغير الذي يتعهد عنه لأنه ما يزال أجنبي عن العقد، فهو يختلف عن الوكيل ( م73، 571 ق.م)، وعن الفضولي ( 150 ق.م)، أما المتعهد فهو يتعاقد باسمه وينصرف له أثر العقد.
2-أن تتجه إرادة المتعهد لإلزام نفسه: لا إلزام الغير الذي تعهد عنه، وإلا كان التعهد باطلاً لاستحالة محل الالتزام، إذ لا يمكن قانوناً أن يلزم شخص بإرادته شخص آخر بمقتضى عقد لم يكن طرفاً فيه.
3-أن يكون محل التزام المتعهد هو الحصول على رضا الشخص الثالث: أي حمل الغير الذي تعهد عنه على قبول التعهد، فالتزام المتعهد هو التزام بتحقيق نتيجة محددة، وليس التزام ببذل عناية، وعليه يعتبر المتعهد مخلاً بالتزامه إذا لم يقبل الغير بتعهده ولو أثبت أنه قام بكل ما في وسعه ليحمله على هذا القبول.
د-أحكام التعهد عن الغير.
ونفرق هنا بين فرضين:
1-قبول التعهد عن الغير. Ratification
إذا أقر الغير التعهد صراحةً أو ضمناً ترتب على إقراره انصراف أثره إليه، وبإقراره يقوم عقد جديد بينه وبين المتعهد له من تاريخ الإقرار أي من الوقت الذي علم فيه بالتعاقد، وليس من وقت التعهد إلا إذا قبل أن يكون أثر الانعقاد بأثر رجعي، والإقرار ينزل منزلة القبول في العقد الجديد، م 114: "...أما إذا قبل الغير هذا التعهد فإن قبوله لا ينتج أثراً إلا من وقت صدوره، ما لم يتبين أنه قصد صراحةً أو ضمناً أن يسند هذا القبول إلى الوقت الذي صدر فيه التعهد"، فيترتب على قبول التعهد إبرام عقد جديد ويعتبر المتعهد قد أوفى بالتزامه.
2-رفض الغير للتعهد. Refus de ratification.
للغير مطلق الحرية في إقرار التعهد من عدمه فإن رفضه ظل أجنبياً عنه دون أن يتحمل أي مسؤولية، فليس في القانون ما يلزم الغير بالقبول (م 114 /01 ق.م)، لأن العقد لا يرتب شيء في ذمة الغير إلا برضاه، ورفض الغير معناه أن المتعهد قد أخلّ بالتزامه القائم على حمل الغير على قبول التعهد لذا يتوجب عليه تعويض المتعهد له، ويقدر التعويض وفق المبادىء العامة. ويرى المشرع أنه يجوز للمتعهد التخلص من التعويض بأن يقوم بنفسه بتنفيذ الإلتزام الذي تعهد به أي الوفاء عيناً بالتعهد الذي ورد التعهد عليه، م 114 ق.م: "إذا تعهد شخص عن الغير، فلا يتقيد الغير بتعهده، فإن رفض الغير أن يلتزم وجب على المتعهد أن يعوض من تعاقد معه ويجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم هو بنفسه بتنفيذ ما التزم به"، ومقتضى المادة أنه إذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر فلا يلزم الغير بتعهده، فإذا رفض هذا الغير أن يلتزم وجب على المتعهد أن يعوض من تعاقد معه عما أصابه من ضرر بسبب عدم تنفيذ التعهد، إذا أمكن ذلك دون إلحاق ضرر بالدائن، ويستوي في ذلك أن يكون التعهد متعلق بالتزام بنقل حق عيني أو بعمل أو الامتناع عن عمل".
المطلب الثاني:
الاشتراط لمصلحة الغير La stipulation pour autrui
أ-تعريفه: هو اتفاق بين المشترط والمتعهد ينشأ عنه على عاتق هذا الأخير حق للمنتفع أو المستفيد، أو هو شرط أو بند في عقد ينشأ بمقتضاه حق لأجنبي أصلاً عنه، وصورته أن يتعهد أحد المتعاقدين للآخر بأن يلتزما قبل شخص ثالث أجنبي أصلاً عن العقد، فينشأ له بمقتضى هذا الاتفاق حق مباشر، والاشتراط هو استثناء من قاعدة نسبية أثر العقد، من حيث الأشخاص، فلا يقتصر أثر العقد على طرفيه ومن ينوب عنهما من الخلفاء والدائنين بل ينصرف أثره إلى شخص ثالث أجنبي عنه، ويرتب له حق، ومثاله عقد التأمين على الحياة.
وقد نظمت أحكامه المواد: 116، 117، 118 ق.م، وتنص المادة 113 ق.م أنه: "لا يترب العقد التزاماً في ذمة الغير ولكن يجوز أن يكسبه حقاً"، معناه أنه وفق مبدأ نسبية أثر العقد لا تنصرف الحقوق الناشئة عن العقد والالتزامات المتولدة عنه إلا على عاقديه، غير أنه يجوز الخروج عن هذا المبدأ بإرادة طرفيه في شقه الإيجابي أي إنشاء حق، دون شقه السلبي وهو تقرير التزام، طالما ليس هناك ضرر، فإنه ليس لطرفي العقد أن يرتبا باتفاقهما التزاماً في ذمة الغير، ولكن لهما وفق المادة 113 و116 ق.م وما بعدها أن يشترطا حقا لمصلحة الغير؛ وعلى خلاف التعهد عن الغير الذي هو تطبيق لقاعدة الأثر النسبي فإذا قبل به الغير أصبح لدينا عقدان، أما الاشتراط لمصلحة الغير فهو استثناء.
ب-تطبيقات للاشتراط لمصلحة الغير.
له تطبيقات يمكن أن تصب في عقود مسماة أو غير مسماة وصورته المثلى في عقد التأمين على الحياة، وكذا اتفاق الواهب في عقد الهبة على ترتيب إيراد مرتب مدى الحياة يلزم الموهوب له بدفعه إلى الغير...
ج-تطور قاعدة الاشتراط لمصلحة الغير.
لم يتوصل القانون الروماني لإقرار قاعدة الاشتراط إلا في أواخر مراحله، وفي حالات استثنائية ضيقة فكان الأصل عدم جوازها لتصادمها مع مبدأ نسبية أثر العقد. وانتقلت هذه التحفظات والحالات الاستثنائية للقانون الفرنسي القديم، ثم جاء قانون نابليون ونص على القاعدة العامة في القانون الروماني "لا يجوز لمتعاقد أن يشترط باسمه إلا لنفسه ( 1119 ق.م.ف)، واستثنى حالتين هما: المادة 1119 ق.م.ف إذا وهب المشترط شيء للمتعهد، واشترط عليه مقابل ذلك حق لأجنبي وهي الهبة بشرط dontio sub modo، وحالة إذا صدر من المشترط عقد معاوضة اشترط فيه حقاً لنفسه وقرن ذلك باشتراط حق محدد للغير، ووصل الفقه والقضاء في فرنسا إلى إجازة الاشتراط وفق شروط محددة، وكذا إجازة الاشتراط لمصلحة شخص غير معين، أو غير موجود مادام أن التعيين مستطاع وقت أن ينتج العقد أثره، وهو حل يتماشى مع النظرية المادية للالتزام التي لا تتطلب وجود الدائن وقت صدور العقد، ويكتفي بوجوده عند التنفيذ.
ومن أهم تطبيقات الاشتراط في الوقت المعاصر بصفة ضمنية اعتبار المسافر في عقد النقل لا كمشترط لمصلحته الخاصة فقط، بل ولمصلحة أقربائه ممن لهم علاقة به تجيز لهم الرجوع على ناقل بالتعويض عما نالهم من الأضرار لوفاته.
د-شروط وجود الاشتراط لمصلحة الغير.
تنص المادة 116/1 ق.م أنه: "يجوز للشخص أن يتعاقد باسمه على التزامات يشترط لمصلحة الغير، إذا كان له في تنفيذ هذه الالتزامات مصلحة شخصية مادية كانت أو أدبية"، كما أشارت المادة 118 ق.م أن وجود المنتفع ليس لازماً عند صدور الاشتراط، وعليه يجب توافر ثلاث شروط:
1-تعاقد المشترط باسمه لا باسم المنتفع: وهو ما يميز الاشتراط (م 116 ق.م) عن النيابة ( م73 ق.م)، والفضالة (150 ق.م)، فتعاقد النائب باسم الأصيل يجعله طرف في العقد وليس أجنبي، وكذلك الفضولي الذي يعد نائب لرب العمل، فالنائب والفضولي يتعاقدان باسم الغير وليس باسمهما.
فكل شخص يمكنه الاشتراط لمصلحة غيره ما دام له مصلحة شخصية وراء الاشتراط مادية أو أدبية (116/01 ق.م)، وإذا أراد الرجوع في الاشتراط جاز له ذلك قانوناً، فيمكن وفق المادة 118 ق.م أن يكون المنتفع شخصاً مستقلاً أو جهة مستقلة أو شخص أو جهة لم يعينا وقت إبرام العقد، متى كان تعيينهم مستطاع أو ممكن وقت أن ينتج العقد أثره القانوني.
2-اشتراط المشترط حق مباشر للمنتفع: يجب انصراف إرادة الطرفين إلى ترتيب حق مباشر للمنتفع ينشأ من العقد في ذمة المتعهد، بحيث لا يمر هذا الحق بذمة المشترط، فيجب أن يكسب المنتفع حق مباشر من عقد الاشتراط وهو لا يكسبه من عقد بينه وبين المشترط أو المتعهد، لكن يتلقاه مباشرة من عقد الاشتراط الذي يتم بين المشترط والمتعهد.
فإذا كان المشترط قد اشترط الحق لنفسه لا يقوم الاشتراط لمصلحة الغير، ولو عاد من العقد فائدة على الغير.
3-توافر مصلحة شخصية للمشترط في الاشتراط: ووجودها من المميزات الأساسية لعقد الاشتراط، حيث يؤدي تخلفها إلى بطلانه فهي التي تخوّل للمشترط حقوق المتعاقد، حتى بعد أن يظهر المنتفع رغبته، فيكون له أن يطالب المتعهد بتنفيذ ما عليه للمنتفع، كما يكون له أن يطلب الفسخ، وأن يدفع بعدم التنفيذ، وهذان أمران لا يملكها المنتفع لأنه ليس طرف في العقد، وحرصت المادة 116/01 على إبراز أن تكون المصلحة الشخصية مادية أو معنوية ذلك لأن شرط المصلحة يمثل ما يسمى بالسبب في الالتزامات وسواء كانت مادية أو أدبية يجب أن تكون مشروعة لا تخالف النظام العام والأداب، وهو من مشروعية الباعث الدافع فيبطل العقد لعدم مشروعية السبب ( 97 ق.م).
ه-أحكام الاشتراط.
1-العلاقة بين المشترط والمتعهد.
يلتزم كل منهما بتنفيذ الالتزامات التي نشأت في ذمتهما، بمقتضى عقد الاشتراط ووفقاً لبنوده وشروطه، فإذا أخلا تطبق الأحكام العامة من التنفيذ العيني ولو بالوسائل الجبرية إذا كان ممكناً، أو بطلب التعويض حال الإخلال، كما يجوز طلب الفسخ والدفع بعدم التنفيذ.
وللمشترط لما له من مصلحة شخصية أن يطالب المتعهد بتنفيذ التزامه نحو المنتفع إلا إذا تبين من العقد أن المنتفع فقط من يجوز له ذلك (116/03 ق.م).
2-العلاقة بين المشترط والمنتفع.
تتحدد وفق طبيعتها القانونية بحسب ما كانت تبرع أو معاوضة:
أ-إذا أراد المشترط التبرع للمنتفع.
تطبق قواعد التبرع ولا حاجة لاستيفاء شكل الهبة، لأنها هبة غير مباشرة، لكن يشترط في المشترط أهلية التبرع، كما يجوز الرجوع في الاشتراط إذا لم يوجد مانع من موانع الرجوع ( 211 ق.أ)، وإذا صدر الاشتراط في مرض الموت يجري عليه أحكام الوصية (408، 776 ق.م و184، 204 ق.أ).
ب-إذا كانت العلاقة معاوضة: كوفاء دين، تطبق القواعد العامة بحسب الأحوال، كأين يكون غرض المشترط إقراض المنتفع...، وللمنتفع أن يقبل الاشتراط في مدة معقولة، فإذا قبل وجب إعلان قبوله للمتعهد أو للمشترط ليعلم به.
3-العلاقة بين المنتفع والمتعهد.
ويتجلى فيها أهم طابع للاشتراط لمصلحة الغير وهو الخروج عن قاعدة نسبية أثر العقد، ويترتب عليها أن المنتفع يكتسب حق مباشر من عقد الاشتراط، وهو حق قابل للنقض من جانب المشترط إلى أن يظهر المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط؛ ونتناول هذه المسائل الثلاثة المهمة:
أ-حق مباشر وشخصي ينشأ للمنتفع: يكتسب المنتفع من الاشتراط لمصلحته حق مباشر قبل المتعهد، مصدره عقد الاشتراط، وهذا الحق المباشر هو حق شخصي للمنتفع يخوله أن يرفع دعوى مباشرة يطالب فيها المتعهد بالوفاء بما التزم به، م 116: "ويترتب على هذا الاشتراط أن يكسب الغير حق مباشر قبل المتعهد بتنفيذ الاشتراط يستطيع أن يطالبه بوفائه، ما لم يتفق على خلاف ذلك، ويكون لهذا المدين أن يحتج ضد المنتفع بما يعارض مضمون العقد".
ويترتب أن للمنتفع حق مباشر لا يتلقاه من المشترط ما يلي:
-هذا الحق يكون للمنتفع من يوم إبرام عقد الاشتراط: لا من وقت قبول المنتفع للاشتراط؛


-هذا الحق المباشر يخول المنتفع أن يطالب المتعهد بتنفيذ ما اشترطه لمصلحته: وذلك دون وساطة ما لم يتفق على خلاف ذلك، ولدائني المنتفع المطالبة بحقه في الاشتراط إذا كان معاوضة ولا شأن لدائني المشترط بهذا الحق، فالاشتراط لمصلحة الغير ينتج أثره مباشرة لمصلحة هذا الغير، وتكون له الصفة في أن يتقاضى باسمه الملتزم بما التزم به.
-المنتفع لا يكون مخاطب بإيجاب ولكن مستفيد: أي منتفع من عقد الاشتراط فحقه لا يتأثر
بوفاة أي من المتعهد أو المشترط.
-فلا يكون للمنتفع رفع دعوى فسخ المشارطة جزاء عدم تنفيذ المتعهد؛
-ليس لدائني المشترط شأن بهذا الحق حال حياته أو وفاته بل ينفرد المنتفع وحده ولا يستطيع دائنوه التنفيذ على هذا الحق لأنه نشأ مباشرة للمنتفع، م 117/01 ق.م "يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض المشارطة، قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو إلى المشترط رغبته في الاستفادة منها، ما لم يكن ذلك مخالف لما يقتضيه العقد".
-يستطيع المتعهد أن يتمسك قبل المنتفع بجميع الدفوع الجائزة في عقد الاشتراط التي تنشأ عن العقد كالبطلان أو الفسخ.
-إذا نص العقد على أن يكون للمتعهد حق نقض المشارطة، أمكن له أن يفعل ذلك، ولا يسوغ للمنتفع أن يتضرر لأنه يتلقى الحق بقيوده التي يتضمنها العقد .
2-جواز نقض الاشتراط.
تنص المادة 117 ق.م أنه: "يجوز للمشترط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض المشارطة قبل أن يعلن المنتفع إلى المتعهد أو المشترط رغبته في الاستفادة منها ما لم يكن ذلك مخالف لما يقتضيه العقد"، فيستطيع المشترط وحده دون دائنيه أو ورثته نقض الاشتراط بأن ينقض حق المنتفع قبل أن يعلن هذا عن قبوله إلى المتعهد، أي إلى أن يظهر رغبته في الاستفادة من الاشتراط.
فالنقض يرجع لاعتبارات خاصة بالمشترط فهو حق شخصي له ولا يجوز لدائنه استعماله باسمه ولا ينتقل بوفاته إلى ورثته وليس للنقض شكل في القانون فقد يكون صريح أو ضمني ويجوز توجيهه للمنتفع أو المتعهد، وإن كان يجب إعلانه للمتعهد حتى يمتنع عن الوفاء بالتزامه.
*ولا يترتب على النقض إبراء ذمة المتعهد قبل المشترط إلا إذا اتفق صراحة أو ضمناً على خلاف ذلك، وللمشترط إحلال منتفع آخر مكان الأول كما له الاستئثار بنفسه بالانتفاع (117 ق.م).
*ولا ينقضي حق النقض إلا بصدور إقرار المنتفع، وإقراره هذا هو الذي يثبت له حقه المباشر والشخصي من وقت إبرام عقد الاشتراط لا من وقت إقراره، فإذا قبل المنتفع الاشتراط لم يكن للمشترط نقض الاشتراط، وللمنتفع أن يقر حقه في أي وقت شاء، ما دام المشترط لم ينقضه إلى أن يسقط بالتقادم، ويعتبر نقض الحق وإقراره ورفضه عمل قانوني من جانب واحد، أما إذا رفض المنتفع الحق آل الحق إلى المشترط أو إلى ورثته الشرعيين.
3-وجوب إظهار المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط: ينتهي حق المشترط في النقض إذا أظهر المنتفع رغبته في الاستفادة من الاشتراط، فيجب إظهار الرغبة حتى يستقر حقه، وتكون العبرة بأسبقية إعلان الرغبة أو النقض للمتعهد.
وقبول المتعهد للاشتراط لا يكسبه الحق لأن هذا الحق قد ثبت له من وقت انعقاد عقد الاشتراط، فالمقصود من القبول هو حرمان المشترط من حق النقض، وعدم فرض الحق الناشىء على المنتفع رغماً عنه، فالقبول تصرف قانوني يترتب عليه تثبيت حق المنتفع بعد أن كان قلق وغير مستقر، ولا يشترط في القبول شكل معين، ولا يعتبر السكوت رفض ( 68/2 ق.م)، وليس هناك مدة محددة إلا إذا حددت في عقد الاشتراط أو في إعلان لاحق للمنتفع.
وللمنتفع رفض الاشتراط فينصرف حقه للمشترط أو ورثته من وقت العقد، ويجوز للمشترط عند الرفض تعيين منتفع آخر.
المطلب الثالث:
الدعـــــــــــــــــــــــــــــــــوى المبــــــــــــــــــــــاشرة Action directe
1-المقصود بها: هي الدعوى التي يرفعها الدائن على مدين مدينه، باسمه الشخصي ولحسابه الخاص، فهي تعتبر خروج عن القواعد العامة المقررة من ناحيتين:
أولاً: هي تمثل خروج عن مبدأ الأثر النسبي للعقد: إذا بواسطتها يستطيع أجنبي عن عقد لم يكن طرف فيه أن يطالب أحد المتعاقدين بتنفيذ الالتزام الناشىء عنه لمصلحته بدل الوفاء به للمتعاقد الآخر، فهو ينتفع من عقد لم يكن طرف فيه وهو اكتسابه حق مباشر.
ثانياً: تمثل خروج عن مبدأ المساواة بين الدائنين العاديين: إذ بمقتضاها يستأثر الدائن الذي رفعها بامتياز على الدين الذي في ذمة مدين المدين، فيتيسر للدائن أن يأمن بها مزاحمة غيره من الدائنين الذين لم تقرر لهم هذه الدعوى، ومعنى هذا أنه يتقدم هؤلاء الدائنين العاديين كما لو كان لديه سبب قانوني من أسباب الأولوية أو الأفضلية في الاستيفاء.
*الدائن في الدعوى غير المباشرة يستعمل حق المدين باسمه ولحسابه ونيابة عنه، ويشاركه في الحق الذي حافظ عليه باقي الدائنين وعليه فهو يتعرض لقسمة الغرماء ما يؤدي لحصوله على بعض حقه.
فالقانون وفر للدائن حماية خاصة وهي الدعوى المباشرة التي تخول للدائن أن يرفع على مدين مدينه دعوى مباشرة يستأثر بها بالحق من مدين مدينه مباشرة (أي ماله من حق قبل المدين الأصلي) دون تعرض لمزاحمة باقي دائنيه، ما يعدّ خروج عن قاعدة المساواة بين الدائنين، فيصبح الدائن رافع الدعوى المباشرة بمثابة دائن له امتياز على هذا الحق، ويتقدم جميع الدائنين ليستوفي حقه، لكن قبل رفع الدعوى المباشرة فإنه يتعين على الدائن رافع الدعوى أن يقوم بإنذار المدعى عليه (وهو مدين مدينه) بالوفاء بالحق المطالب به، وهو الحصول على ما هو ثابت في ذمة الأخير للمدين الأصلي، وضرورة وجود ارتباط بين التزام مدين المدين إزاء المدين الأصلي، وبين التزام الأخير إزاء دائنه، ما يظهر جلياً أن الدعوى المباشرة كوسيلة من وسائل التنفيذ تحقق ذلك ببساطة وسرعة في الإجراءات لا تحققها الدعوى غير المباشرة.
*والدعوى المباشرة لا تتقرر إلا بنص خاص باعتبارها حماية خاصة استثنائية، تقوم على فكرة حق الامتياز، فهي ضمان خاص أو نوع من أنواع التأمين التي أنشأها القانون، حيث يطالب الدائن باسمه الشخصي بحقوق مدين مدينه، فينقل حق المدين إلى ذمة الدائن مباشرة ولا يمر بالتالي بذمة المدين الأمر الذي دعا بعض الفقه الفرنسي Delebecque للقول أن "ثمة اتجاه إلى مد آثار العقد إلى ما يجاوز عاقديه".
2-تطبيقات للدعوى المباشرة.
أ-دعوى المؤجر على المستأجر الفرعي أو المستأجر من الباطن: للحصول على أجرة العين المؤجرة من المبالغ التي قد تكون له في ذمة المستأجر الأصلي (507 ق.م)، فيكون المستأجر من الباطن ملزم قانوناً أن يؤدي للمؤجر مباشرة ما يكون ثابت في ذمته من التزامات ناشئة عن عقد الإيجار.
ب-دعوى العمال والمقاولين من الباطن: ( م 565 ق.م)، ضد رب العمل لمطالبة هذا الأخير مباشرة، بما لا يتجاوز القدر الذي يكون مديناً به للمقاول الأصلي وقت رفع الدعوى، حيث يستطيع العمال أن يطالبوا بموجبها بما في ذمة رب العمل للمقاول.
ج-الدعوى بين نائب الوكيل والموكل: ( م 580 ق.م)،  فيرجع كل منهما مباشرة على الآخر، وكذا بالنسبة لنائب الفضولي ( م 154 ق.م).
د-الدعوى المباشرة على شركة التأمين: (619 ق.م)، من طرف المصاب المضرور في حادث مرور
ه-دعوى صاحب العمل ضد نائب الفضولي: ( م 154/2/3 ق.م).



[1] : من كتاب الأستاذ بلحاج العربي، مصادر الالتزام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ الباحث القانوني-Carrefour _droit ©